لازلت أتذكر اليوم أحاديثنا فى الماضى عن "الثورة".. وكيف كانت تبدو ملامحها الضبابية فى أعيننا، حيث إن ثورة عرابى سميت "هوجة"، وثورة 19 كانت لأجل "سعد" باشا، و23 يوليو كان "انقلاب" عسكرى.. وأحداث 18 و19/ 77 سميت "انتفاضة حرامية". هكذا وكلما تحدثنا عن حال بلدنا قبل 25 يناير 2011 كان يطرح السؤال دوما: متى يفعلها الشعب ويقوم بالـ"ثورة"؟، وكان الرد: إنه الشعب ده "طيب" وما يعرفش يعمل "ثورة"؟.. وكأن الطيبة ليست من صفات الثوار، من ثم فإنه يجب علينا التحول لأشرار كى نصلح للقيام بـ"ثورة"!.
نهاية فإنه لم يك من المتوقع أن نشهد بالفعل "ثورة شعب"، ذلك إلى أن خرج الجمع منذ 25 يناير وحتى 11 /2/ 2011 ليسقط النظام وتنحنى رأسه، وليخرج الجميع فى الداخل والخارج.. كل من على منبره ليعلن عن أنها "ثورة".
وربما كان عدم معرفتنا الكامل بمفهوم "الثورة" هذا هو ما قادنا إلى المشهد الحالى اليوم، الذى وإن بدا طبيعيا من وجهة نظر البعض، حيث توصيف ما يحدث على أنه مجرد توابع الزلزال المعتادة فى أى مكان، إلا أنه وفى تقديرى بات يشبه "الانقلاب" على "الثورة"، حيث تغليب المواطن لمصلحته على مصلحة الوطن، خاصة فى تلك المرحلة الدقيقة التى كان من المنتظر أن يراعى الجميع فيها التركيز فقط على وجهة سير قطار الوطن فى ظل ما يحيط به من مخاطر فى الشرق والغرب والجنوب، ذلك إلى جانب خطر أعداء الداخل من بقايا النظام وأراجوزاته الذين مازالوا يجيدون ألعابهم.
نعم لكل "ثورة" تبعاتها.. لها أهدافها التى قامت لأجلها، والتى يجب الاستمرار فى السعى إلى تنفيذها وتحقيقها، لكنه وفى الذات الوقت يجب الوضع فى الاعتبار أنه لم يكن من المتوقع أن تستوفى وتتحقق جميعها فى غضون أيام أو أسابيع أو أشهر، لاسيما وأنها أهداف تقتضى القضاء على تراكمات كثير سنوات مضت، كذا يجب النظر على أنها لن تتحقق دون أساس دستورى ونظام سياسى جديد.. لن تتحق إذا ما استمرت نظرتنا للأشخاص بعيدا عن الكيان الأم.. لن تتحق فى ظل اقتصار النظرة على إما أن يتحقق كل شىء الآن وإلا فلن يتحقق غدا، من ثم فهى فرصة الجميع اليوم للخروج والتحول والمطالبة بحقه الذى سكت عليه دهرا.. حقه الذى لم يكن يحلم حتى ليس فقط بإمكانية استرجاعه، لكن أن ينتزع الاعتراف بكونه حقه المشروع.
لم يعد مقبولا اليوم وبعد أن خرجنا للمناداة بتغيير النظام ككل ونجحنا فى هذا.. أن نفشل فى تغيير أنفسنا.. لم يعد من المقبول أن نخرج فى الأمس القريب للمطالبة بتحقيق العدالة الاجتماعية وأن نرى اليوم العاطل إلى جانب من خرج للمطالبة بحقه فى ترقية ضائعة!. نعم لنا جميعا حقوق، لكن لازال للوطن علينا واجب ودين يجب وأن نستوفيه له.. لشهدائنا حق وعلينا استرجاعه.. ليس فقط من خلال محاسبة ومحاكمة المفسدين والفاسدين والمتحولين أو المطالبة بإسقاط هذه الحكومة وغيرها أو من خلال الاعتصام اعتراضا على أحوالنا أو التحول إلى مجرمين وبلطجية وقاطعى طرق، لكن من خلال مواصلة ثورتنا على أنفسنا أولا.. مواصلة رفعنا الشعار "الوطن أولا"، من ثم تحقيق الحلم فى رسم صورة جديدة لوطن أفضل للجميع. هذا هو الهدف الذى خرجنا لأجله.. وهو ما يجب وأن نسعى إلى تحقيقه من خلال العودة للإلتفاف حوله من جديد. فإذا استقام حال الوطن.. استقامت أحوالنا جميعا.